النقد الدولي: انخفاض حجم معاملات القطاع العقاري التجاري خلال 2020
بنوك TV هايدي شعبان بنوك أونلاينأوضح تقرير الاستقرار المالي العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي والذي حصل موقع "بنوك أونلاين" على نسخة منه أن أزمة فيروس كورونا سلباً أثرت على القطاع العقاري التجاري فقد انخفض حجم معاملات العقارات التجارية وأسعارها على مستوى العالم خلال الربع الثاني من عام 2020 كنتيجة أساسية للإجراءات التي تم اتخاذها بهدف احتواء الوباء والحفاظ على التباعد الاجتماعي، والتي أثرت سلباً على الأنشطة الاقتصادية وحدت من الطلب على العقارات التجارية. إلا أن هذا القطاع قد بدأ في التعافي في بعض الدول الآسيوية.
ويشمل هذا التقرير العقارات التي كان الغرض الأساسي من تملكها الحصول على عوائد استثمارية هذا وتعد الفنادق وعقارات مؤسسات التجزئة والمكاتب من أكثر شرائح القطاع العقاري التجاري التي تأثرت سلباً، بينما كانت العقارات التجارية الصناعية في وضع أفضل نسبياً.
وجاء ذلك في ظل التزايد الكبير في اعتماد المستهلكين على التجارة الإلكترونية بدلاً من الشراء من المحال التجارية، وكذا الاتجاه نحو العمل من المنزل.
وسنعرض تقييم المخاطر المحتملة المرتبطة بالقطاع العقاري التجاري على الاستقرار المالي من خلال مناقشة خمسة نقاط أساسية:
أولاً: علاقة القطاع العقاري التجاري بالاستقرار المالي
توجد ثلاث قنوات رئيسية يؤثر من خلالها انخفاض أسعار العقارات التجارية على الاستقرار المالي، خاصة في حالة وجود نقاط ضعف مالية أخرى:
1-الملاءة المالية للبنوك، حيث أن البنوك تتعرض للمخاطر الائتمانية نتيجة منحها قروض متعلقة بهذا القطاع في حالة تعثر العملاء عن السداد، كما تتعرض لمخاطر السوق من خلال حيازتها لأوراق مالية مضمونة بالرهن العقاري في حالة الانخفاض الكبير في أسعار تلك الأوراق المالية. وفى تلك الحالة تتعرض البنوك لخسائر تؤدى في النهاية إلى الحد من المعروض الائتماني في الاقتصاد.
2-الضمانات: ويأتي ذلك نتيجة استخدام العقارات التجارية كضمان لحصول الشركات غير المالية على ائتمان من المؤسسات المالية. وقد يؤدى انخفاض قيمة العقارات التجارية إلى انخفاض اقتراض تلك الشركات وبالتالي انخفاض استثماراتها الأمر الذي قد يترتب عليه انخفاض النشاط الاقتصادي بوجه عام. وبالطبع يؤثر أيضاً انخفاض قيمة العقارات التجارية المستخدمة كضمان سلباً على قيمة أصول البنوك المرجحة بالمخاطر.
3-المؤسسات المالية غير المصرفية (كشركات التأمين وصناديق التقاعد والصناديق الاستثمارية): ففي حالة انخفاض أسعار العقارات التجارية ستنخفض بالتالي الأصول في حوزة تلك المؤسسات. كما قد تضطر إلى بيع تلك الأصول مما يترتب عليه تأثير سلبي كبير على الأسعار، وقد تتأثر أيضاً الملاءة المالية للبنوك التي منحت تلك المؤسسات قروضاً.
ومن الجدير بالذكر أن القطاع المذكور كان مصدرا للعديد من الصدمات المالية أو مصدراً لزيادة تداعيات تلك الصدمات، كان أبرزها الأزمة المالية عام 2007. وعلى الرغم من أن هذا القطاع ليس مصدر الأزمة حالياً إلا أنه يمثل خطراً كبيراً على الاستقرار المالي لكبر حجمه والتوقعات المستقبلية المرتبطة به. فعلى سبيل المثال، قد بلغت نسبة أصول هذا القطاع نحو 20% في المتوسط من الناتج المحلى الإجمالي عام 2019 في الاقتصادات الكبرى والناشئة (مقابل 17% منذ عشر سنوات). كما أن البنوك تواجه مخاطر متعلقة بهذا القطاع حالياً، خاصة وأن ما يزيد على 50% من إجمالي إقراض البنوك للمؤسسات غير المالية كان مرتبط بهذا القطاع في دول مثل الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية عام 2019.
وجدير بالذكر أن معظم الدول لم تكن تعاني من تقلبات كبيرة في أسعار تلك العقارات قبل الجائحة، بل على العكس شهدت أسعارها ارتفاعات في العديد من الدول، فعلى سبيل المثال؛ تضاعفت قيمة أسعارها الوسيطة في دول كالسويد والولايات المتحدة خلال الفترة من عام 2009 وحتى عام 2019 في ظل انخفاض أسعار الفائدة لفترة طويلة. غير أن أسعار بعض تلك العقارات الخاصة بتجارة التجزئة كان قد بدأ في الانخفاض مع تزايد اعتماد المستهلكين على التجارة الإلكترونية، في الوقت الذي كانت أسعار العقارات الأخرى مستمرة في الارتفاع.
وفي عام 2020 بدأت تظهر اختلالات في أسعار العقارات التجارية مع انخفاض الطلب الكلى وصافي الدخل.
وبتحليل سيناريو حدوث تغير هيكلي في الطلب على تلك العقارات في المستقبل كالتحول بدرجة أكبر نحو التجارة الإلكترونية والعمل عن بُعد، يلاحظ أن تأثير ذلك على أسعار تلك العقارات من التحديات الكبيرة في المستقبل. ففي ظل فرضية استمرار زيادة هذين العاملين خلال السنوات الخمس المقبلة، يتوقع أن تؤدى زيادة المساحات الشاغرة في العقارات التجارية بمقدار 5 نقاط مئوية إلى انخفاض في القيمة العادلة لتلك العقارات بمعدل 15%.
أثر الاختلالات السعرية والانخفاضات المفاجئة في أسعار تلك العقارات على الاستقرار المالي:
تمت الإشارة مسبقاً إلى علاقة القطاع المذكور بالاستقرار المالي الكلى، وسيتم هنا تحديد الأثر المتوقع لحدوث صدمات في هذا القطاع مستقبلاً من خلال ثلاث نقاط رئيسية:
1-المخاطر المرتبطة بنمو الناتج المحلى الإجمالي: من الممكن أن يترتب على الاختلالات السعرية في هذا القطاع زيادة الأثر السلبي للصدمات الاقتصادية على نمو الناتج المحلى الإجمالي.
2-التأثير السلبي على ربحية القطاع المصرفي وملاءته المالية: فانخفاض أسعار تلك العقارات يترتب عليه تدهور جودة محفظة القروض المصرفية، وخسائر ائتمانية، وتراجع الإيرادات، وهو ما قد يصاحبه تدهور معدل كفاية رؤوس أموال البنوك، وقد يصل الأمر إلى تعثرها.
3-انخفاض استثمارات الشركات: في ظل ارتفاع حجم حيازة المؤسسات غير المالية لتلك العقارات، فإن الانخفاض الكبير في أسعارها من شأنه التأثير سلباً على الاقتصاد ككل من خلال التأثير على استثمارات تلك المؤسسات، وما تم تقديمه كضمانات للحصول على قروض.
أثر السياسات الاحترازية الكلية على أسعار العقارات التجارية مستقبلاً :
من الممكن أن تؤدى السياسات الاحترازية الكلية إلى تخفيف المخاطر المترتبة على حدوث تغييرات سعرية حادة في هذا القطاع، وذلك من خلال العمل على خفض تعرض ميزانيات كل من المقرضين والمقترضين لمخاطر هذا القطاع. وذلك من خلال إجرائيين أساسيين:
1-اتباع إجراءات تستهدف القطاع مباشرة: وذلك عن طريق تقييد الحصول على قروض مرتبطة بالعقارات التجارية مثل وضع حد أقصى لقيمة القرض بناء على نسبته إلى قيمة العقار، أو من خلال وضع حد أقصى لنسبة خدمة الدين إلى الدخل، أو زيادة تكلفة الحصول على قروض لشراء عقارات تجارية، أو وضع حدود لتركز القروض العقارية التجارية التي تمنحها البنوك.
2-إجراءات تتعلق بالمقترضين: من خلال وضع حد أقصى لنسبة القروض التي يحصلون عليها إلى قيمة العقارات السكنية (وليست التجارية) وكذا نسبة خدمة الدين إلى الدخل. وهو الأمر الذي قد يترتب عليه التأثير في أسعار بعض شرائح العقارات التجارية المرتبطة بالعائلات.
وفيما يتعلق بالاقتراض من الخارج لشراء تلك العقارات، فإن وجود بعض القيود على تدفقات رؤوس الأموال من خلال وجود إجراءات متعلقة بإدارة تلك التدفقات لمواجهة المخاطر التي قد تؤثر سلباً على الاستقرار المالي، يحد من المخاطر، إلا أن ذلك يجب أن يتم فقط في إطار ظروف محددة.
توصيات لتحسن الاقتصاد:
1-في الوقت الحالي، وحتى حدوث تحسن اقتصادي، يجب الاستمرار في إجراءات دعم المقترضين من خلال استمرار إجراءات تيسير سداد المديونيات، والضمانات الائتمانية، والدعم المباشر للشركات القابلة للاستمرار، وتشجيع الشركات غير القابلة للاستمرار على إعادة الهيكلة أو التصفية.
2-إجراء اختبارات تحمل الصدمات للتأكد من قوة القطاع المصرفي.
3-مراجعة الجهات الرقابية للتقييمات التي تقوم بها البنوك لقيمة تلك العقارات.
4-يجب على صانعي السياسات تحديد أدوات احترازية كلية، عقب ظهور أثر وباء كورونا على هذا القطاع، وذلك بهدف منع استمرار الاختلالات السعرية والمخاطر التي تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي على المدى المتوسط. ومن أهم تلك الأدوات الاحترازية المذكورة سابقاً؛ نسبة القروض لقيمة العقار ونسبة خدمة الدين إلى الدخل. ويعتمد توقيت تلك السياسات على مدى سرعة التعافي والتحسن الاقتصادي والمخاطر المالية التي تواجه الاقتصاد.
5-اتخاذ إجراءات قانونية متعلقة بتدفقات رؤوس الأموال بهدف إدارة الاستثمارات العقارية التجارية عبر الحدود في حالة ما إذا كانت تشكل مخاطر مالية نظامية لا يمكن معالجتها باستخدام أدوات سياسة أخرى. ومع ذلك، يجب إلغاء هذه الإجراءات تدريجياً بمجرد أن تخف حدة هذه المخاطر.
6-معالجة المخاطر المرتبطة بالمؤسسات المالية غير المصرفية المتعلقة بالقطاع المذكور من خلال توسيع نطاق اتخاذ الإجراءات الاحترازية الكلية ومنح الجهات الرقابية سلطة اتخاذ تلك الإجراءات.