”مبارك الفولي” يكتب .. البيتكوين مالها وماعليها

لم تكن 2009 هي بداية نشأة العملات الافتراضية وخصوصا بيتكوين، بل سبق ذلك عدة محاولات بدأت من 1987 إلي 1998 حتي وصلنا إلي بيتكوين؛ فلقد بدأت أولي هذه المحاولات تقريبا في عام 1977م حينما ظهرت خوارزمية (RsA)، علي يد الثلاثي (ليوناردو أدلمان)،و(آدي شامير)،و(رونالد ريفيست)، والفائدة من هذه الخوارزمية، هي أنها تسمح بتلقي الإيرادات والأموال عن طريقها، ثم تلي ذلك محاولة أخري عام 1987م حيث تم اختراع ما يعرف بديجي كاش (Digi cash)، وهي نقود إلكترونية مشفرة، وتم هذا الاختراع علي يد العالم الأمريكي دافيد تشوم (David chaum)، وهو التطور الذي لفت الأنظار إلي إمكانية وجود عملات مشفرة، وغير مدعومة من قبل البنوك أو الحكومات أو اي سلطة ثالثة، وغير مركزية، ولا يمكن تعقبها، وفي عام 1996م، نشرت وكالة الأمن القومي، ورقة بعنوان (كيف تصنع النعناع): تشفير النقود الإلكترونية المجهولة التي تصف فيها قيمة نظام النقود المشفرة، وفي عام 1998م، كانت هناك محاولة أخري للمدعو (wei dai)، نشرت في قائمة (cypher punks) البريدية حيث تمحورت فكرة الكاتب حول شكل ونظام جديد من النقد، يعتمد علي التشفير في تعاملاته، ويكون بديلا للبنوك المركزية.

أما البيتكوين فقد بدأ العمل عليها عام 2007م علي يد شخص مجهول الهوية يدعي(ساتوشي نكا موتو) ثم في عام 2008 نشر ساتوشي ورقة بحثية يوضح فيها بروتوكول بيتكوين وكيفية الحصول عليها وكان هدف ساتوشي هو تغيير الإقتصاد العالمي بنفس الطريقة التي غيرت بها شبكة الأنترنت أساليب النشر، وأول عملية تحويل للبيتكوين تمت بين (ساتوشي)، و(هال فيني) المبرمج الفعلي لنظام بتكوين عام 2009م.

كانت أول عملية شراء تمت بواسطة بتكوين في 18مايو 2010م مقابل قطعتان بيتزا بمقابل 10,000 بتكوين، بعد 11 عام، بلغت هذه القيمة المدفوعة مقابل قطعتين البيتزا (320) مليون دولار امريكي.

كانت قيمة البيتكوين في بداية إصداره ( 1309,03 ) بتكوين لكل دولار أمريكي، و في عام 2011م، بلغت قيمة العملة الواحدة من البيتكوين 35 دولار امريكي، وفي بداية 2017 وصل إلي 1000دولار لكل عملة منه، وما لبث أن قفز إلي أكثر من18,000 دولار في نهاية عام 2017، ووقت كتابة هذه المقالة بلغ سعر البيتكوين الواحد 32 ألف دولار أمريكي.

لقد نشأ البيتكوين ليكون موجوداً خارج سيطرة أي كيان سياسي أو أي تنظيم أو مؤسسة مالية، ولكن نشأ لكي يخضع تحت سيطرة مجموعة لامركزية من المستخدمين ينفذون بروتوكول بتكوين عبر الأنترنت.

والبيتكوين ليس هو النقد الافتراضي الوحيد الذي يتمتع بالتشفير ويعتمد علي مبدأ الند للند، بل هناك أنواع كثيرة من النقود الافتراضية غير البيتكوين ولكنها لاحقة علي ظهور البيتكوين، ومن أشهرها "الاثيريوم، والربيل، ولايت كوين ونيموكوين وبيتكوين كاش وباسكال كوين وفيد كوين".

وتمتاز البيتكوين بعدة خصائص ومميزات تميزها عن النقود الورقية مثل:-

1- اللامركزية: بمعني أنها لا تخضع لأي ولاية أو سلطة مركزية (حكومات - بنوك مركزية)، وعدم وجود طرف ثالث، أو وسطاء للتحقق من مصداقية الصفقات، مما يجعل المعاملة سريعة؛ ومن ناحية الانضمام وفتح حساب فهي لا تحتاج غير بضع دقائق، وبدون رسوم تسجيل، أو أوراق وأعمال كتابية ومستندات كالبنوك.

2- الحصول عليها: فإصدارالبيتكوين والحصول عليها يتم من خلال التعدين أو التنقيب الشبكي، وبهذا يختلف عن إصدرا النقود الورقية التي يكون مصدر إصدارها البنك المركزي.

3- كمية البيتكوين المصدرة: من خصائص هذه العملة أنها محددة الإصدار بـ 21 مليون وحدة من البيتكوين فقط لذلك تمتاز بعدم قدرة السلطات النقدية في العالم علي التحكم في عرضها.

4- التحرر من سيطرة البنوك والحكومات وإخفاء الهوية، والسرعة الفائقة في التحويل، وصعوبة التعقب.

5- حرية الدفع: فبوسع البيتكوين إرسال واستقبال أي مبالغ مالية في أي وقت وفي أي مكان في العالم في خلال دقائق، ولك أن تتخيل لا أوراق لا أجازات لاقيود لاروتين لابيروقراطية.

بجانب كل هذه الخصائص والمميزات يكتنف البيتكوين عيوب وربما تكون قاتلة ومن هذه العيوب بل أهمها:-

1- عدم معرفة مالكها: فلا أحد يعرف من هو ساتوشي نكاموتو ولا أحد يعرف جنسيته وهل هو فرد أم مجموعة من الافراد أم كيان دولي وهذه المجهولية وهذا التخفي يؤدي إلى مزيد من التساؤلات والشكوك.

2- مستقبل غيرمؤكد: فلا نستطيع أن نجذم على وجه اليقين ما سوف تسفر عنه هذه العملة.

3- السرية والشفافية: فبالرغم أنهما ميزتان في البيتكوين إلا أنهما في نفس الوقت عيوب تمس البيتكوين، حيث أن هاتان الخاصيتان تعطيان سهولة للعمليات المشبوهة على الإنترنت، ومثال ذلك موقع (sik road)، الذي كان يتاجر بالمخدرات.

4- صعوبة التعدين (الإصدار): وذلك لحاجتها إلى أجهزة حاسوب عملاقة في الوقت الحالي من أجل إصدارها، تفوق قدرة الأشخاص العاديين على شرائها، وهذا قد يكون سبب لبعض الشكوك، منها إستحواذ بعض الشركات أو الحكومات على هذه العملة وإحتكارها.

5- عدم الفهم الفني: فتخزين بتكوين وحفظه يحتاج إلى درجة معينة من الفهم، بالإضافة إلى بعض التقنيات المتقدمة وتكنولوجيا التشفير التي قد تصعب على الشخص العادي، كما أن الحماية من المتطفلين والمخترقين تحتاج إلى الإلمام الكبير بالتكنولوجيا والتشفير وهذه غير موجود في غالبية الأفراد في الوقت الحالي.

6- الأضرار البيئية: فالطاقة الكهربائية المستخدمة في تعدين البيتكوين هائلة جداً، حيث أنها تستهلك في السنة الواحدة ما يساوي 30 تيرا واط، أي ما يعادل طلب المغرب على الكهرباء بالكامل، أضف إلى ذلك إنبعاث ثاني أوكسيد الكربون من هذه الطاقة مما يتسبب في الإحترار العالمي.

في النهاية تنتابنا كثير من الأسئلة حول البيتكوين والتي نحاول البحث لها عن إجابات:-

من هو "ساتوشي نكاموتو" هل هو فرد أم مجموعة أم كيان دولي؟ وهل حقيقة أنه أراد بإختراعه أن ينقذ الناس من ويلات البنوك والحكومات أم القصة غير ذلك؟

هل البيتكوين يصلح أن يكون نقداً أم مجرد عملة ستحتاج إن تم تنظيمها إلي غطاء نقدي كالذهب مثلاً لكي يتم تداولها؟

هل قابلية البيتكوين للتقسيم لعدد لا نهائي سيجعل البيتكوين يصبح نقداً عالمياً قابل للتدوال من خلال الدول وبين مختلف الفئات حتي في البيع بالتجزئة، أم أن إرتفاع قيمة العملة الواحدة منها والذي يرتفع بإستمرار سيجعلها عملة إحتياط فقط؟

هل البيتكوين بديل الذهب أم بديل الدولار، وإن كان الأولي فما مصير الذهب وهل تصلح البيتكوين أن تكون نقد إحتياطي؟ وإن كان الثانية فمن سيكون المتحكم والمحتكر لها؟.